ضجيج المصلين بـ" لا إله إلا الله " بعد إقامة الصلاة

[ ضجيج المصلين بـ"لا إله إلا الله" بعد إقامة الصلاة ]

 

بسم الله الرحمن الرحيم


فإن من البدع المنتشرة في مساجد المسلمين، مع قلّة من يُنكرها ويُحذّر المسلمين منها، ألا وهي قول المصلين بعد فراغ الإقامة: "لا إله إلا الله"، أو "حقًا لا إله إلا الله".

وتخصيص الذكر "لا إله إلا الله" بالإقامة لا دليل عليه، فهو من جملة البدع، فقد جاءت الشريعة باستحباب ذكر الله بقول: "لا إله إلا الله" بنصوص عامة، لكن لم تخصص شيئًا من ذلك بإقامة الصلاة، وهذا التخصيص يحتاج إلى دليل.

وقد أنكر الصحابة -رضوان الله عليهم- تخصيص ما لم تُخصصه الشريعة، من ذلك ما روى البيهقي في شعب الإيمان (8884) عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَعَطَسَ رَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى رَسُولِهِ فَقَالَ: "لَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"..، الأثر.

فقد جاءت الشريعة باستحباب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- مطلقًا في أي وقت ومكان، ثم خصصت الصلاة عليه في مواضع: كعند ذكره، أو بعد الأذان، أو بيوم الجمعة دون بقية الأيام ..، وهكذا، أما تخصيصه بأمر لم تخصصه الشريعة فلا يجوز وهو من جملة البدع، فلا يجوز تخصيص الصلاة على النبي بالعطاس، أو بيوم السبت مثلًا، إلى غير ذلك من التخصيصات التي لم يدل عليها الدليل.

فالتعبّد لله بعبادة بلا دليل يجعلها من جملة البدع، لأن البدعة تشريع عبادة بلا دليل شرعي يدل على إذن الله بها، قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ}[الشورى: 21].

قال ابن جرير الطبري -رحمه الله تعالى- في تفسير هذه الآية:
"
يقول تعالى ذكره: أم لهؤلاء المشركين بالله شركاء في شركهم وضلالتهم {شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ}[الشورى: 21]، يقول: ابتدعوا لهم من الدين ما لم يُبح الله لهم ابتداعه". اهـ.
[ تفسير الطبري ( 21 / 523 ) ].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في كتابه [ اقتضاء الصراط المستقيم ( 2 / 84 ) ]:
"
قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ}[الشورى: 21]، فمن ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله أو أوجبه بقوله أو بفعله من غير أن يشرعه الله فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، ومن اتبعه في ذلك فقد اتخذه شريكًا لله شرع له من الدين ما لم يأذن به الله". اهـ.

وقال -رحمه الله- في [ القواعد النورانية ( ص164 ) ]: " وَلِهَذَا كَانَ أحمد وَغَيْرُهُ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْأَصْلَ فِي الْعِبَادَاتِ التَّوْقِيفُ، فَلَا يُشْرَعُ مِنْهَا إِلَّا مَا شَرَعَهُ اللَّهُ، وَإِلَّا دَخَلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]".اهـ.

فإن قال قائل: قد جاءت الشريعة بالترديد خلف الأذان، وجاء أيضًا في الشريعة تسمية الإقامة بأنها أذان، كما أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن مغفل -رضي الله عنه-: «ما بين كل أذانين صلاة»، والمراد ما بين الأذان والإقامة، فهذا الذكر من باب الترديد خلف الإقامة؟

فيقال: على القول بصحّة الترديد خلف الإقامة، فليس ما يفعله المصلون بقولهم: "لا إله إلا الله"، أو "حقًا لا إله إلا الله" هذه الأقوال لا علاقة لها بالترديد خلف الإقامة، فهم ينتظرون انتهاء الإقامة ليذكروا هذا الذكر، أما القول بالترديد خلف الإقامة فهو يردد الإقامة كلمة كلمة، فهو يختلف تمامًا عن هذه البدعة، فلا يصح إلصاقها بهذا القول.

وكثير ممن يُنكر عليهم هذا الفعل يفزعون إلى هذا القول عند أهل العلم لتبرير هذه البدعة كون القول بالترديد خلف الإقامة سائغًا عند أهل العلم.

فالبدع أمرها خطير، وهي من أعظم ما يهدم الدين، وبانتشارها تذهب كثير من السنن مكانها، لأن الدين قد كَمُل، فهو كالكأس الممتلئ، إذا أُضيف إليه شيء أخرج ما فيه وحلّ مكانه.

والبدعة أحب إلى الشيطان من المعصية، كما روى اللالكائي في [ أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (رقم 238) ] بإسناده عن سفيان الثوري أنه قال: "البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، والمعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها".اهـ.

والمقصود بقوله: "لا يُتاب منها": أن من يفعل البدعة يظن أنها شرع ودين، لذلك لا يتوب منها، أما فاعل المعصية فيعلم أنه على خطأ، لذلك يرجو أن يتوب من معصيته، ومن هاهنا تكمن خطورة البدع.

لذلك حذّرنا نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- من البدع، وكان يحذّر أصحابه -رضي الله عنهم- منها كل جمعة على المنبر، كما أخرج مسلم (867) من حديث جابر -رضي الله عنه- : «وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ».
وأخرج البخاري (2697)، ومسلم (1718) عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ».
فالبدعة أمرها خطير، وهي سبب لغضب الله رب العالمين.


والحمد لله رب العالمين، وصلى الله

وسلم على نبيه ورسوله محمد

وعلى آله وصحبه

أجمعين

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مُداهنة الشرك، د. عصام البشير نموذجًا

علمَنَة السيرة النبوية، د. عصام البشير نموذجًا

الشهوة وضوابطها: بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان