كُلّ عَامٍ وَأَنْتَ بِــ(حُزْنٍ) وَ(غَمٍّ)! - وقفة مع بعض تصرفات الرافضة في عاشوراء


بسم الله الرحمن الرحيم

قد تعتقد أنَّ التهنئة بالحزن والغم وتمنِّي عودته كل سنة أمرًا مبالغًا فيه، إلا أنَّ هناك أقوامٌ ينتسبون للإسلام يفعلون ذلك وإن لم ينصّوا بهذه التهنئة نصًّا! بل ويَرجُونَ بالحزن الثوابَ من الله!!

وقبل الكلام عنهم "اعلم أنَّ الحزن من عوارض الطريق، ليس من مقامات الإيمان ولا من منازل السائرين، ولهذا لم يأمر الله به في موضعٍ قطّ، ولا أثنى عليه، ولا رتَّب عليه جزاءً ولا ثوابًا، بل نهى عنه في غير موضع، كقوله تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحْزَنُواْ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 139] وقال تعالى: ﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يُمْكُرُونَ﴾ [النحل: 127] ..."

"والمقصود أنَّ النبيَّ ﷺ جعل الحزن مما يُستعاذ منه. وذلك لأنَّ الحزن يُضعِف القلب ويُوهِن العزم، ويُغيّر الإرادة، ولا شيء أحبُّ إلى الشيطان من حزن المؤمن، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا [المجادلة: 10] فالحزن مرض من أمراض القلب يمنعه من نهوضه وسيره وتشميره، والثواب عليه ثواب المصائب التي يُبتلى العبد بها بغير اختياره، كالمرض والألم ونحوهما، وأمَّا أن يكون عبادةً مأمورًا بتحصيلها وطلبها فلا، ففرق بين ما يثاب عليه العبد من المأمورات، وما يثاب عليه من البليَّات".[1]

ولمّا كانَ ابنُ آدمَ مجبولًا على الحزن عند دواعي أسبابه، عَفَتْ عنه الشريعة ما لمْ يقترِن بالجزَع والتسخُّط، كما أخرج البخاري (1304) ومسلم (924) عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنَّ النبي ﷺ قال: «... إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم».

وقد حثَّت الشريعة على فعل أسباب زوال الحزن، إذ الاستمرارُ عليه ضررٌ محضٌ، لذلك استعاذ منه رسول الله ﷺ وقال: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ومن العجز والكسل». البخاري (2893).

فَمِنْ نَقْصِ العقل والدِّين أَنْ يُحدِثَ أقوامٌ عيدًا (دينيًا) قائمًا على الحزن والنكد!! كفعل الرافضة في يوم عاشوراء، فالموضوع الرئيس لهذا العيد: إظهار الحزن والبكاء والجزع على قتلِ الحسينِ -رضي الله عنه-، فضلًا عن تضمُّنِهِ للشرك، بصرف العبادات لغير الله ...

واعتمدوا في تشريعهم عبادة الحزن والنكد على رواياتٍ عاطلةٍ باطلةٍ، منها: "... عن أبي عبدالله -عليه السلام- قال: سمعته يقول: إنَّ البكاء والجزَع مكروه للعبد في كلّ ما جَزِعَ، ما خلا البُكاءَ والجزَعَ على الحسين بن عليّ عليه السلام، فإنه فيه مأجور". [2]

ومنها ما في أمالي الصَّدوق: ...عنْ عليِّ بن موسى الرِّضا أنه قال: "... ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه جعل الله عز وجل يوم القيامة يوم فرحه وسروره، وقرّت بنا في الجنان عينه".[3]

"... عن أبي عبد الله -عليه السلام- قال: من زار قبر الحسين بن علي يوم عاشوراء عارفًا بحقه كان كمن زار الله في عرشه". !!

"... ثم ليندب الحسين -عليه السلام- ويبكيه ويأمر من في داره بالبكاء عليه، ويُقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه ويتلاقون بالبكاء"[4].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "وليس في دين المسلمين أن يجعلوا يوم قتل أحدهم مأتمًا، وكذلك اتخاذُه عيدًا بدعة. وكلُّ ما يُروى عن النبي ﷺ في يوم عاشوراء غير صومه فهو كذب ". [5]

بل أدخل بعضهم معاني الحزن حتى في الطعام الخاص بيوم عاشوراء، كطبخ "الأرز المحموص" الذي اشتهر به أهل القطيف، فيُسوَّد لونهُ زيادةً في الحزن، ويسميه بعضهم: "عيش الحسين"، وهذا من مبالغاتهم في الحرص على الحزن! [6]

مع أنَّ هديَ سيِّد آل البيتِ محمد بن عبد الله ﷺ يدعو لخلاف ذلك تمامًا، فقد أرشد أهل الميِّت إلى طبخ التلبينة كما في البخاريِّ (5417) وبيَّنَ العلَّةَ بقوله: «التلبينةُ مجمَّةٌ لفؤادِ المريضِ، تذهبُ ببعضِ الحزنِ».

وَنَهى ﷺ وشدَّد النَّهي عنْ مظاهر الجزع عند المصائب فقال: «ليسَ منا مَنْ ضَرَبَ الخُدودَ، أو شقَّ الجيوبَ، أو دَعَا بِدَعْوَى الجاهليَّةِ». البخاري (1294) مسلم (103).

فالشريعة الإسلامية صريحةٌ في توجيه المسلم لفعلِ أسباب الخروج مِن حالة الحزن، بخلافِ صنيع الرافضة في عاشوراء، حتى صارت عادتهم المُشاهدة عند أيّ مصيبة: إظهار الجزع والتسخُّط والتلفُّظ بعبارات الاعتراض على قضاء الله وقدره.

وليس الحزن والجزع عندهم خاصٌ بموضوع قتل الحسين -رضي الله عنه- يوم عاشوراء، بلْ سائرُ العقائدِ الرافضيِّةِ قائمةٌ على أمثال هذه المظلوميَّات وتدور حولها.

 



[1] طريق الهجرتين (2 / 605-607)، دار عالم الفوائد، الطبعة الأولى، 1429هـ.

[2] كامل الزيارات (ص 217)، تصنيف أبي القاسم جعفر بن محمد قولويه (396هـ)، طبعة مؤسسة دار الحجة - قم، الطبعة الأولى 1435هـ.

[3] بواسطة كتاب [مقتل الإمام الحسين (ص 144)] لمحمد رضا الطبسي، دار الولاء، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى 1425هـ - 2004م.

[4] كامل الزيارات (ص 346 - 347)، تصنيف أبي القاسم جعفر بن محمد قولويه (369هـ)، طبعة مؤسسة دار الحجة -قم، الطبعة الأولى 1435هـ.

[5]  جامع المسائل (5 / 151).

[6] قد جلست بمحافظة القطيف بضعة أشهر وأخبرني أحد سكانها بهذه العادة، وانظر:

http://www.qatifoasis.com/?act=artc&id=2279 منتدى واحة القطيف

https://juhaina.in/?act=artc&id=59451 صحيفة جهينة

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مُداهنة الشرك، د. عصام البشير نموذجًا

علمَنَة السيرة النبوية، د. عصام البشير نموذجًا

الشهوة وضوابطها: بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان