ألا في الفتنة سقطوا

 بسم الله الرحمن الرحيم


[ألا في الفتنة سقطوا]
.
الذي اختار السكوت واعتزال المعركة الحالية بين قواتنا المسلحة والدعم السريع، واعتبر ما يجري فتنة وأمسك عليه لسانه ...

فلو كان الحق واضحًا في هذا القتال وليس فيه فتنة، فصاحب هذا القول -وإن كان مخطئًا- فخطؤه محصورٌ في شيء واحد وهو: (الخطأ في وصف هذا الحدَث) الذي بنَى عليه حكمهُ بأنه فتنة، فيُخطَّأ على ذلك ويُبيَّن له بالحجة والبرهان أنَّ الحق والباطل واضح في هذه الحرب وأنها ليست فتنة.

لكن مع هذا لا يصح أن يُجعل (مجرد) سكوته واعتزاله = وقوفًا مع طرفٍ ضد طرف، ما لم يصدُر منه أمرٌ آخر يُبيِّن صِحة التشنيع عليه وعلى موقفه، فمجرد اعتزال هذه الحرب لا يُعدُّ وقوفًا مع أحد الأطراف.

فلا يصح اختزال سبب سكوت أصحاب هذا الموقف في دافعٍ واحد، فقد يكون سكوتهم بسبب عدم وضوح الواقع عندهم أو التباسه عليهم، أو لظنهم أنَّ الجيش هو من بدأ قتال الدعم السريع فكان موقف الدعم السريع ردة فعل بتأويل سائغ فكان بذلك فتنةً، أو غلبَ على ظنهم أنَّ مآلات هذا القتال غير حميدة ... أو غيرها من الدوافع التي يصح شرعًا عذرهم بها مع تثبيت خطئهم.

أما موقف مزمل فقيري الذي يزعم فيه أنه اختار السكوت واعتزال هذا الأمر لأنه فتنة، فلا يصح أن يُصنَّف مع القول السابق؛ وذلك لأمور:

أولًا: مزمل فقيري كاذبٌ في دعواه اعتزال الفتنة والسكوت عنها، فقد أخرجَ مقطعًا صرَّح فيه بأنَّ ما يحصل فتنة يجب اعتزالها وأن نكون أحلاس بيوتنا، ولكنه كان أول مَن خالف نصيحته، فأخرجَ مقطعًا بعده بعنوان: (الإخوان والفتنة في السودان) وهاجم فيه بضراوة -غير مُبرَّرة- الإخوان المسلمين وربطَ بينهم وبين القتال الحاصل الآن بين الجيش والدعم السريع.

ثانيًا: أنَّ هذا الموقف من مزمل فقيري انحيازٌ واضح لطرف دون طرف، شاء مزمل ذلك أو أبى، قصدَ ذلك أو لم يقصد؛ وذلك أنَّ الساحة السودانية السياسية منقسمة في الجملة إلى قسمين رئيسين: قسم مع العلمانيين، والقسم الثاني ضدهم وأبرزهم -من السياسيين- جماعة الإخوان المسلمين بشتى تياراتهم وأحزابهم، هذا هو الواقع الموجود الآن.

وهناك أطراف أخرى غير محسوبة على السياسيين -في الظاهر- وهم الجيش وقوات الدعم السريع، والحركات المسلحة الأخرى، ورأس الدولة والحاكم الفعلي للسودان هو الجيش وقائده، ويزعم البعض أنَّ الجيش يقف مِن خلفه جماعة الإخوان المسلمين، ومن أبرز من يتهمهم بذلك العلمانيون ومن في صفهم.

وقائد الدعم السريع (حمدتي) -وهو أحد طرفي القتال الآن- قد صرَّح في أكثر من موضع ومناسبة بدعم العلمانيين ووثيقتهم الكفرية المسماة ب (الاتفاق الإطاري)، في حين أنَّ الجيش لم يُصرح أو يُلمح بأنَّه يقف مع الإخوان المسلمين -على الأقل في الظاهر-.

فلمَّا يأتي مزمل بمقطعٍ بعنوان: (الإخوان والفتنة في السودان) ويُهاجم فيه الإخوان المسلمين بضراوة، ويربط بينهم وبين ما يحصل من القتال الجاري بين الجيش والدعم السريع، ولا يصدر منه هجوم على العلمانيين يوازي على الأقل هجومه على الإخوان المسلمين وكأنه لا علاقة لهم بهذا الصراع وليسوا أحد أطرافه! مع أنَّ الموقف (الصريح) و(الواضح) و(المُعلَن) من أحد أطراف القتال -وهو الدعم السريع- واضح في تأييد العلمانيين والملاحدة! ويشترك العلمانيون والدعم السريع في زعم أنَّ دافع هذا القتال تطهير القوات المسلحة من الإخوان المسلمين ...

فالنتيجة = أنَّ ما يفعله مزمل هو خدمةٌ مجانية منه للطرف العلماني ومَن يؤيده من الدعم السريع وغيرهم، شاء أم أبى، مهما كان تبريره، فالعمل الفاسد لا يُصلحه النية.

بل يُقال تنزُّلًا: حتى لو صرَّح الجيش بأنه يُقاتل لأجل تمكين الإخوان المسلمين من الحكم -صراحةً- لكان موقف مزمل باطلًا أيضًا، فكيف لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يفعل فعلًا أو قولًا حقيقته الوقوف ضد المسلمين -ولو كانوا مبتدعةً- في حربهم ضد العلمانيين والملاحدة؟ أو ضد مَن يسعى سعيًا حثيثًا لإضعاف الجيش الذي به قوام الدولة؟

لذلك كان كلام مزمل موافقًا لأهداف العلمانيين والملاحدة، ولأهداف الدعم السريع الباغي والخارج على الدولة والداعم للملاحدة والعلمانيين، لدرجة أنَّ بعض النشطاء والسياسيين العلمانيين والخونة صاروا ينشرون ويُروِّجون كلام مزمل القبيح ليُشرعنوا موقفهم العلماني والخائن لعامة السودانيين.

إذا تبيَّن هذا، فلا يصح بحال أن يُساوَى بين موقف مَن غلَّبَ جانب الفتنة على هذا القتال واكتفى بالسكوت والاعتزال (فقط)، وبين موقف مزمل المخزي الخادم لجانب العلمانيين، والذي يزعم أنه اعتزل الفتنة وهو خائضٌ فيها إلى أذنه، فالأول وإن كان مخطئًا إلا أنه في جانب، وموقف مزمل في جانب آخر تمامًا.

والحق واضح في هذا القتال، فعلى المسلم أن يقف مع جيش السودان لأسباب، منها:

1. أنَّ حمدتي مارقٌ على الدولة ومُنازعٌ للحاكم، كما تبيَّنَ ذلك بتصريحاته منذ وقوفه في صفِّ العلمانيين ثم بمحاصرة جنوده لمطار مَرَوي قبل اندلاع الحرب وما صحبه من تحذيرات من الجيش، وبغيرها من البراهين، فيجب ردعه لعموم قوله ﷺ: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ» أخرجه ومسلم.

2. أنَّ حمدتي يقف في صف الكفرةِ العلمانيين والغرب الفاجر، سواء كان دافع وقوفه معهم مصالح دنيوية أو لانحرافه العقدي، ولو تنزّلنا بأنَّ الجيش يقف تمامًا في صف الإخوان المسلمين، فيجب على المسلم أن ينصر المسلم -وإن كان مبتدعًا- على الكافر المحارب لدين الله، وعلى الباغي والمتمرد.

3. أنَّ الغرب الكافر وأذنابه وغيرهم من الدول الباغية يسعون لإضعاف الجيوش التي هي قوام الدول وصمام أمانها، ليسهل التغوّل عليها أكثر، فيجب دعم تماسك الجيش وقوته؛ فهو آخر معقل لبقاء الدولة السودانية -حرسها الله- بعد ثورة ديسمبر -اللعينة-.

4. لا يختلف العقلاء أنه لا يجتمع سيفان في غمد، فوجود جيشان منفصلان بهذه الصورة في بلدٍ واحد أمر خطير، فكان لابد من إصلاح هذا الخلل، سواء بالحرب أو بالسِّلم، طال الزمن أو قصر.

محمد بن عبدالحفيظ
الجمعة، 8 / شوال / 1444هـ
28 / 4 / 2023م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مُداهنة الشرك، د. عصام البشير نموذجًا

علمَنَة السيرة النبوية، د. عصام البشير نموذجًا

الشهوة وضوابطها: بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان