متى يصح القدح في النيات؟
الأصل عدم جواز القدح في النيِّات، وإنما يُعامَلُ الناسُ بالظاهر، لكن يصح القدح في النيات إذا دلَّ الظاهر على ذلك؛ فإن الظاهر والباطن متلازمان صلاحًا وفسادًا بإجماع أهل السنة كما حكاه ابن تيمية [1] وغيره من أئمة السنة، فيصح القدح في النيات إذا دلَّ الظاهر على ذلك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: " لأن الظاهر إنما يكون دليلًا صحيحًا معتمدًا إذا لم يثبت أن الباطن بخلافه، فإذا قام دليلٌ على الباطن لم يُلتفت إلى ظاهرٍ قد عُلِمَ أنَّ الباطن بخلافِه " [2].
ومن النصوص الدالة على جواز القدح في النيات استدلالًا بالظاهر:
الدليل الأول: روى الشيخان عن معاذة العدوية أنها سألت عائشة -رضي الله عنها-: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت لها عائشة -رضي الله عنها-: أحروريةٌ أنت؟ قالت: لا، ولكني أسأل ... الأثر [3]، " وَهَذَا الِاسْتِفْهَامُ الَّذِي اسْتَفْهَمَتْهُ عَائِشَةُ هُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ، أَيْ: هَذِهِ طَرِيقَةُ الْحَرُورِيَّةِ " [4]، فاتَّهمتها عائشة باعتقاد الخوارج بما ظهرَ لها مِن مشابهتهم، فـ " من أصولهم المتفق عليها بينهم الأخذ بما دل عليه القرآن ورد ما زاد عليه من الحديث مطلقًا، ولهذا استفهمت عائشة معاذة استفهام إنكار " [5].
الدليل الثاني: روى الإمام أحمد عن حمَّاد بن زيد أنه ذكر الجهمية، ثم قال: " إِنَّمَا يُحَاوِلُونَ أَنْ لَيْسَ فِي السَّمَاءِ شَيْءٌ " [6]، وجاء عن غيره من السلف [7]، فلمَّا أظهر الجهمية الزندقة والإلحاد في أسماء الله وصفاته، وتشبيهه بالمعدومات -سبحانه وتعالى عما يقولون علوًّا كبيرًا- اتَّهمهم أهل السنة بأنهم يقصدون إنكار وجود الله.
...
✍️ محمد بن عبدالحفيظ
__________________________
[1] مجموع الفتاوى (7 / 187).
[2] الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص 343) ط الحرس الوطني السعودي.
[3] صحيح البخاري (1 / 71) رقم: (٣٢١)، وصحيح مسلم (1 / 182) رقم: (٣٣٥).
[4] شرح النووي على مسلم (4 / 27) دار إحياء التراث العربي – ط2.
[5] فتح الباري لابن حجر (1 / 422) الطبعة السلفية.
[6] مسند أحمد (45 / 566) رقم: (27586).
[7] انظر: السنة لعبد الله بن الإمام أحمد (1 / 126) رقم: (٦٥) دار ابن القيم – ط1، والإبانة الكبرى لابن بطة (6 / 56) رقم: (٢٥٥) دار الراية.
تعليقات
إرسال تعليق